الجمعة، 10 أكتوبر 2008

المملكه الخلدونيه المشتركه


أعترف أنني عانيت الأمرين، وأنا أفكر في كتابة هذا المقال، وأعترف أنها المرة الأولى في حياتي التي أتصبب عرقا، وأمسك القلم مرتعش الأنامل، مفكرا في إعادة النظر في حساباتي، وتأثير ما أكتبه وانعكاساته على من أصدقائي المتفقين معي قبل المختلفين. ولا أنكر أن راودتني فكرة اللعب بالألفاظ، والرقص بالكلمات على أحبال لغة الضاد القوية المتينة، ومحاولة إرضاء الجميع، وكتابة مقال به من التورية والكناية ما يمكني من الغوص والطفو، ويكون لي طوق نجاة يضمن لي السلامة عند الاتهام أو اللوم. وأعترف أن مواجهة الموت والذهاب إلى المقصلة أسهل كثيرا من الاعتراف بلحظة تردد وضعف إنساني، وإشهارها على الملأ، وأعتقد أن الجرأة والشجاعة والأمانة الحقيقيين يكمنون في الوضوح والتعبير عما بداخل المرء –بغض النظر عن صحة الموقف وخطأه- بغير لف ولا دوران ولا مجاملة لأحد، وبعيدا عن إمساك العصا من المنتصف، وتجنبا لحسابات لا لزوم لها.
أسرفت في المقدمة، ولم اقصد منها التبرير والتماس الأعذار لدي القارئ على ما أقدم عليه، بقدر ما كانت لازمة لاعترافي بلحظة تردد وضعف إنساني ومعاناة حقيقية مؤلمة، احتراما وتقديرا مني لقارئ منحني شرف إضاعة وقته في قراءة ما أكتب متفقا ومختلفا.
وعند البدء ترتعش الكف، وهي تخط أولى الكلمات عن د. سعدالدين إبراهيم، صاحب "مركز ابن خلدون"، ومقاله في المصري اليوم بتاريخ 7/7/2007 تحت عنوان "في التنويه بمآثر مركز ابن خلدون" الذي يسميه البعض "مركز ابن صهيون" على حد تعبيره، وفي المقال يتحدث د. سعد الدين ابراهيم عن المركز ودوره، ويشهد الناس على ما يحاك ضده، واتهامه "بالإساءة لمصر، والإضرار بمصالحها القومية إلي الخيانة العظمي"، وذلك بسبب "ما تناقلته وسائل الإعلام بشأن أن الكونجرس الأمريكي ينوي تعليق مبلغ مائتي مليون دولار من المعونة السنوية لمصر، والتي تصل إلي حوالي مليار دولار، إلي أن ينفذ الرئيس حسني مبارك الوعود التي كان قد قطعها علي نفسه، أثناء حملته الانتخابية للولاية الخامسة، منذ سنتين"، وفي نهاية المقال يقول د.إبراهيم بوضوح " وبدلاً من التركيز علي تنفيذ هذه الوعود الرئاسية، بحثت الأجهزة عن كبش فداء لتصب عليه جام غضبها وتستعدي الرأي العام عليه. وليس لديها أسهل من مركز ابن خلدون، وكأنه هو المسئول عن قرارات الكونجرس الأمريكي، أو عن خطايا النظام المصري"، وفي كلامه هذا إهانة للشعب المصري وكأنه لا يقرأ ولا يعرف ولا يميز بين الحق والباطل، والحقيقة أن الشعب المصري أدار ظهره للجميع، في لفتة ذكية لتصحيح الأوضاع، واستعادة الثقة في نخبته.
وأستأذن قبل الاستطراد أن لامني صديق، واتهم كتاباتي الغاضبة ضد مبارك وأسرته، بأنها "تعبير عن تفريغ شحنة غضب، وأنها لا تبني وعيا"، شكرته على صراحته، ووافقته متعللا بأن المصلوب المجلود لا يمكن أن يشكر جلاده ويصفح عنه، ويطلب منه مزيدا من الجلد، وكل ما بوسعه الصراخ بصوت عال لإيقاظ الناس وفضح الجلاد ونجدته. تذكرت هذه العبارة لارتباطها بما يحدث، وتحميل د.سعدالدين ابراهيم سوء حال مصر وتشويه صورتها، وتساءلت هل ما يحدث تعبير عن حقيقة أم استخفاف بعقول الشعب وتسطيحا لوعيه؟ التبس الأمر علي، وليس بمقدوري فهم ما يجري أو الإجابة عليه، وسأكتفي بطرح الأسئلة، آملا في الإجابة من كل من هو أجل مني وطنية، وأعظم مني خبرة ودراية بالأمور، وأرجح مني عقلا، وأكثر اتزانا وأقل انفعالا. وهنا ألجأ للقارئ ليكون مساعدا ومعينا لي في فهم ما لم أستطع فهمه. ودور القارئ لا يتمحور في التلقي فقط، بل يتمركز في المشاركة والإضافة، بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف، في محاولة لبناء وعي حقيقي، يساعدنا على معرفة حقيقة الأمور وتوضيح الرؤية في تبسيط بعيد عن التسطيح.
نسلم بأن د. سعدالدين إبراهيم، يتصيد الأخطاء، ويخدم على الأجندة الأمريكية، وله رؤيته الخاصة التي لا يخفيها، ويعمل على تفعيلها ليل نهار مستثمرا كل خطأ سلطوي، وعلى مرآي ومسمع من العالم، وأمام أعين السلطات المصرية. نتجاوز ونتهمه بالخيانة، ومادمنا قد سلمنا بحكم الخيانة عليه، فمن حقه وحقنا أن نسأل ونستوثق عن معنى الخيانة: ما هي الأمانة التي أؤتمن عليها د. سعدالدين ابراهيم ولم يؤدها؟ هل هو أؤتمن على أمة، ونهبها بليل وتستر علي ناهبيها، وسهل مهمتهم في الخروج بالثروة إلى الخارج؟ هل يسعى لتوريث ابنه مركز ابن خلدون؟ هل وعد الناس بالمن والسلوى وحنث بوعده؟ هل يحصل على إعانات أمريكية يستخدمها في غير موضعها، وينفقها على جلادي الشعب ومنتهكي حقوق الإنسان؟ هل يسعى لإقامة جمهورية "سعدالدين" الملكية؟ هل منح د. سعدالدين ابراهيم أرضا مصرية بزعم السياحة للصهاينة، وشاركهم في بيزنس، وباع الغاز الطبيعي والأسمنت والحديد للعدو الصهيوني؟ هل خُول د. سعدالدين ابراهيم بإدارة الدولة وفرط في سيادتها للصهاينة والأمريكان، وفرط في حقوق شهداء الوطن على الحدود واستقبل وزير العدو الإسرائيلي ضاحكا وحاضنا له، وكأنه يقول له بورك فيك وهل من مزيد؟ هل أغرق سعدالدين ابراهيم العبارة وقتل أكثر من الف شخص، وساعد صاحبها على الهرب؟ هل سرق الرجل القطاع العام وباعه بأبخس الأثمان؟ هل همش الرجل شعبه، وجار على مستحقات الأقليات وخلق مشاكلهم؟ هل هو الذي وزع أرض الدولة ومناصبها على شلة المحاسيب؟ هل أصدر أوامره باستيراد القمح والمبيدات المسرطنة ومنع محاكمة مستورديها؟ هل هو الذي زور الدستور والانتخابات؟ هل هو الذي ابتدع البلطجة وانتهك عرض الصحفيات؟ هل هو الذي اعتقل الشعب المصري وحول مصر إلى سجن كبير أسواره حدود الدولة؟ هل هو الذي أساء معاملة أهل سيناء وانتهك كرامتهم وحرمتهم؟ هل هو الرجل الذي يرفض تصرفات أمريكا ويبكى على حرمانه معونتها؟ هل هو صانع لحدث أم مستغلا له مشهرا به؟ إن كانت الإجابة بنعم فإن الرجل الذي ارتكب كل ما استفسرنا عنه، خائن يستحق الإعدام في ميدان عام، ولا يستوي منشئ الأزمة والمصر علي استمرارها مع مستغلها، وبدلا من إلقاء اللوم على المستثمر الفاضح، يستحسن لفت نظر الظالم ورجائه الكف عن ظلمه، احتراما للوعي وتأسيسا لبنيته التحتية.

ليست هناك تعليقات: